سورة الفرقان - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (2)}
البركة: كثرة الخير وزيادته. ومنها: {تَبَارَكَ الله} [الأعراف: 54] وفيه معنيان: تزايد خيره، وتكاثر. أو تزايد عن كل شيء وتعالى عنه في صفاته وأفعاله. والفرقان: مصدر فرق بين الشيئين إذا فصل بينهما وسمي به القرآن لفصله بين الحق والباطل. أو لأنه لم ينزل جملة واحدة، ولكن مفروقاً، مفصولاً بين بعضه وبعض في الإنزال. ألا ترى إلى قوله: {وَقُرْءانًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى الناس على مُكْثٍ ونزلناه تَنْزِيلاً} [الإسراء: 106] وقد جاء الفرق بمعناه. قال:
وَمُشْرِكَيّ كَافِرٌ بِالْفَرْقِ ***
وعن ابن الزبير رضي الله عنه: على عباده، وهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمّته، كما قال: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ} [الأنبياء: 10]، {قُولُواْ ءامَنَّا بالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136]. والضمير في {لِيَكُونَ} لعبده أو للفرقان. ويعضد رجوعه إلى الفرقان قراءة ابن الزبير {للعالمين} للجنّ والإنس {نَذِيراً} منذراً أي مخوّفاً أو إنذاراً، كالنكير بمعنى الإنكار. ومنه قوله تعالى: {فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِى وَنُذُرِ} [القمر: 16، 18، 21، 30] {الذى لَهُ} رفع على الإبدال من الذي نزل أو رفع على المدح، أو نصب عليه.
فإن قلت: كيف جاز الفصل بين البدل والمبدل منه؟ قلت: ما فصل بينهما بشيء؛ لأنّ المبدل منه صلته نزل. و {ليكون} تعليل له، فكأنّ المبدل منه لم يتمّ إلاّ به.
فإن قلت: في الخلق معنى التقدير، فما معنى قوله: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْء فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} كأنه قال: وقدّر كل شيء فقدّره؟ قلت: المعنى أنه أحدث كل شيء إحداثاً مراعي فيه التقدير والتسوية، فقدّره وهيأه لما يصلح له، مثاله: أنه خلق الإنسان على هذا الشكل المقدّر المسوّى الذي تراه، فقدّره للتكاليف والمصالح المنوطة به في بابي الدين والدنيا، وكذلك كل حيوان وجماد جاء به على الجبلة المستوية المقدّرة بأمثلة الحكمة والتدبير، فقدّره لأمر مّا ومصلحة مطابقاً لما قدر له غير متجاف عنه، أو سمي إحداث الله خلقاً لأنه لا يحدث شيئاً لحكمته إلاّ على وجه التقدير من غير تفاوت، فإذا قيل: خلق الله كذا فهو بمنزلة قولك: أحدث وأوجد من غير نظر إلى وجه الاشتقاق، فكأنه قيل: وأوجد كل شيء فقدّره في إيجاده لم يوجده متفاوتاً. وقيل: فجعل له غاية ومنتهى. ومعناه: فقدّره للبقاء إلى أمد معلوم.


{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا (3)}
الخلق بمعنى الافتعال، كما في قوله تعالى: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أوثانا وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} [العنكبوت: 17] والمعنى: أنهم آثروا على عبادة الله سبحانه عبادة آلهة لا عجز أبين من عجزهم، لا يقدرون على شيء من أفعال الله ولا من أفعال العباد، حيث لا يفتعلون شيئاً وهم يفتعلون، لأن عبدتهم يصنعونهم بالنحث والتصوير، {وَلاَ يَمْلِكُونَ} أي: لا يستطيعون لأنفسهم دفع ضرر عنها أو جلب نفع إليها وهم يستطيعون، وإذا عجزوا عن الافتعال ودفع الضرر وجلب النفع التي يقدر عليها العباد كانوا عن الموت والحياة والنشور التي لا يقدر عليها إلاّ الله أعجز.


{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آَخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (4)}
{قَوْمٌ ءاخَرُونَ} قيل: هم اليهود. وقيل: عداس مولى حويطب بن عبد العزى، ويسار مولى العلاء بن الحضرمي، وأبو فكيهة الرومي: قال ذلك النضر بن الحرث بن عبد الدار. (جاء) و (أتى) يستعملان في معنى فعل، فيعديان تعديته، وقد يكون على معنى: وردوا ظلماً، كما تقول: جئت المكان. ويجوز أن يحذف الجار ويوصل الفعل. وظلمهم: أن جعلوا العربي يتلقن من العجمي الرومي كلاماً عربياً أعجز بفصاحته جميع فصحاء العرب. والزور: أن بهتوه بنسبة ما هو بريء منه إليه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8